التحذير من وساوس ابليس :
من كيد ابليس بأهل الوسوسة في الوضوء والغُسل: أن جعلَهم يُنكِرون الموجودات، ويجحَدون الأمورَ المحسوسات. ذكرَ ابنُ الجوزيِّ عن أبي الوفاء ابن عَقيل أن رجلاً قال له: أنغمِسُ في الماء مِرارًا كثيرةً، وأشكُّ هل صحَّ لي الغُسلُ أم لا؛ فما ترى في ذلك؟ فقال له الشيخُ: اذهَب، فقد سقطَت عنك الصلاة، قال: وكيف ذلك؟!
قال: لأن النبي قال: «رُفِع القلمُ عن ثلاثة: عن المجنون حتى يُفيقَ، وعن النائمِ حتى يستيقِظ، وعن الصبيِّ حتى يبلُغ» ومن ينغمِسُ في الماء مِرارًا ويشُكُّ هل أصابَه الماءُ أم لا فهو مجنونٌ.
ومنهم من يُطيلُ المُكثَ في الخلاء بلا حاجةٍ؛ فتفوتُه الجماعة، وتضيعُ مصالِحُه، فكيف يليقُ بعاقلٍ أن يُطيلَ المُكثَ في حُشوشٍ مُحتضَرة تأوي إليها الشياطين والنفوسُ الخبيثة؟!
ومن وسوسته أعاذنا الله وإياكم منه: الوسوسةُ في انقِطاع البول أو في التنجُّسِ به؛ لذا يُستحبُّ للمُسلم أن يرتادَ لبَوله مكانًا رِخوًا، وأن لا يبولَ واقِفًا ولا مُستقبِلا الريحَ؛ لئلا يرتدَّ عليه رشاشُ البول، فيُنجِّسَه ويُدخِلَ عليه العنَتَ، ويفتحُ عليه بابَ الوساوِس. ويجبُ أن يستفرِغَ أخبَثَيْه، ويستبرِئَ من بولِه لئلا يقطُر عليه، ويحذَرَ من بدع أهل الوسوسة؛ كالسَّلْتِ ونحوه.
ومن وسوسة إبليس: الوسوسةُ في الصلاة؛ فمن الناسِ من يجهَرُ بنيَّةِ الصلاة ويُكرِّرُها، ويُجهِدُ نفسَه في التلفُّظِ بها، ويرفعُ بها صوتَه بثُقلٍ ومشقَّة، ولربما دخلَ في الصلاة ثم قطَعها لشكِّه في النيَّة.
والجهرُ بنيَّة الصلاة بِدعةٌ، وتكرارُها وسوسة، ورفعُ الصوت بها إيذاءٌ للناس، والتعبُّد بها بِدعةٌ.
ومنهم من يُعيدُ تكبيرةَ الإحرام كثيرًا، ويُردِّدُ الفاتحة مِرارًا.
ومنهم من يُكرِّرُ بعضَ الحروفِ والكلمات، حتى ربما فاتَتْه الركعة وتخلَّفَ عن إمامه.
ومنهم من يُوسوِسُ له الشيطانُ بانتِقاض طهارته أثناء الصلاة، فيُخرِجُه منها، ويصدُّه عنها.
ويحرُم على المُصلِّي أن يُخرُج من الصلاة إذا لم يتيقَّن الحدَثَ؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: «إذا وجدَ أحدُكم في بطنه شيئًا، فأشكلَ عليه أخَرَج منه شيءٌ أم لا، فلا يخرُجنَّ من المسجدِ حتى يسمعَ صوتًا أو يجِد ريحًا» أخرجه مسلم.
فاقطَعوا الأوهام، وادفَعوا الشُّكوكَ، وردُّوا وساوِسَ إبليس، ولا تُبطِلوا أعمالَكم، ولا تُفسِدوا عباداتكم، ولا تُضيِّعوا صلاتَكم.
أعاذنا الله جميعًا من الشيطان وهمزِه ونفخِه ونفثِه.
من خطبة صلاح بن محمد البدير