الصلاة على الميت في المسجد :
ذهب الجمهور من أهل العلم إلى جوازها ومنهم الشافعي وأحمد وإسحاق لحديث عائشة أنها أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد فتصلي عليه فأنكر الناس ذلك عليها فقالت: "ما أسرع ما نسي الناس ما صلى -رسول الله صلى الله عليه وسلم- على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد" وهو في صحيح مسلم.
قال النووي: "وفي هذا الحديث دليل للشافعي والأكثرين في جواز الصلاة على الميت في المسجد، وممن قال به أحمد وإسحاق قال ابن عبد البر: ورواه المدنيون في الموطأ عن مالك، وبه قال ابن حبيب المالكي".
ولأنها صلاة كسائر الصلوات (دعاء وصلاة) والمسجد أولى بها من غيره لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) بل قالت الشافعية: تندب الصلاة على الجنازة في المسجد لأنه خير بقاع الأرض. ولأن الصحابة قد صلوا على أبي بكر وعمر في المسجد بدون إنكار من أحد.
قال العظيم آبادي: "قال الخطابي: "وقد ثبت أن أبا بكر وعمر صلي عليهما في المسجد ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما ففي تركهم إنكاره دليل على جوازه" وقال في موضع آخر: "وقد روى ابن أبي شيبة وغيره أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد وأن صهيباً صلى على عمر في المسجد. زاد في رواية: "ووضعت الجنازة في المسجد تجاه المنبر" وهذا يقتضي الإجماع على جواز ذلك".
وبوب البخاري في صحيحه: (باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد) وكأن الأمرين يستويان عنده إلا أنه أخرج حديث الصلاة في المصلى فقط ولم يخرج حديث الصلاة في المسجد. وكأنه يفضل الصلاة على الجنازة في المصلى.
وجمهور القائلين بجواز الصلاة على الجنازة في المسجد يقولون أنها في المصلى أولى إلا الشافعية الذين عكسوا ذلك.
وذهب بعض العلماء إلى عدم صحة الصلاة في المسجد ومنهم أبو حنيفة والقول المشهور عن مالك. واستدلوا:
بحديث أبي هريرة في سنن أبي داود: (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له) قال النووي: "وقال ابن أبي ذئب وأبو حنيفة ومالك على المشهور عنه: لا تصح الصلاة عليه في المسجد لحديث في سنن أبي داود: (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له) ودليل الشافعي والجمهور حديث سهيل بن بيضاء.
قال الطحاوي: فلما اختلفت الآثار في هذا الباب احتجنا إلى كشف ذلك لنعلم المتأخر فكان في حديث عائشة دليل أنهم تركوا الصلاة على الجنائز في المسجد بعد أن كانت تفعل فيه حتى ارتفع ذلك من فعلهم وذهبت معرفته على عامتهم"... إلى أن قال: النهي عنها وكراهيتها قول أبي حنيفة ومحمد، وهو قول أبي يوسف أيضاً وأطال وحقق أن الجواز كان ثم نسخ".
يقول ابن القيم: "ولم يكن من هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراتب الصلاة على الميت في المسجد وإنما كان يصلى على الجنازة خارج المسجد إلا لعذر وربما صلى أحيانا على الميت كما صلى على سهيل بن بيضاء وأخيه وكلا الأمرين جائز والأفضل الصلاة عليها خارج المسجد".
وقال المانعون أيضاً: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قد اتخذ مصلى وكان في الغالب يصلي على الجنازة فيه. قال الحافظ في الفتح: "إن مصلى الجنائز كان لاصقاً بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية جهة المشرق" وقال في موضع آخر: "والمصلى المكان الذي كان يصلى عنده العيد والجنائز وهو من ناحية بقيع الغرقد"
لعل الراجح القول بجواز صلاة الجنازة في المسجد إذا لم يتضرر المسجد بهذه الجنازة أو يتضرر من في المسجد بسببها إما بقذارة أو رائحة أو منكرات والله أعلم نسأل الله أن يرحم موتنا وموتى المسلمين .